الأحد، 6 يونيو 2010

مشاهد عين من وادي العين...هواء...فضباب...فمطر


مشاهد عين من وادي العين (04\06\10)

هواء...فضباب...فمطر

وأنا في قريتي الصغيرة القاطنة بين احضان الجبال الشاهقه. كانت الساعة الحادية عشر ليلا". لم اعتد التأخر في العودة كل ليلة الى البيت. لكن ظرفا ما أستوقفني خارجا" لبعض الوقت. عندما وصلت وفي الظلمة الحالكة عند عتبة الباب إخترق صوتا" الهدوء من حولي فاستشاط شعر رأسي خوفا".وتسارعت خفقات قلبي. لكنة هدأ بعد علمي بأن ذلك الصوت هو صوت أمي؛ فأدركت حينها بأن نفس السيناريو القديم سيعاد علي، حمدت ربي إذ أن زئبق غضب أمي لم يتمدد كثيرا" بعد، فانهالت علي بالنصائح "الدنيا كلها هوامش وأنت ما رأس بصل أبدلك"... حتى أصابتني عقدة البصل...
مشينا في الطريق الأبيض ما بين بوابة الحوش وبوابة المنزل... نعم قلت أبيض لأن أقدام أمي جعلتة كذلك وهي في وردية الإنتظار ...إنتظار فلذة الكبد كما دعتني...
حملت فراشي..وكالمعتاد ذهبت الى سطح المنزل. كان كل شي هادئا" كنت أتأمل السماء وأذناي كأذني ثعلب تائه يصوبهما ليلتقط صوت عابر يحملة هدوء الوادي.
بين الفينة والأخرى كنت لا أسمع سوى صوت واحد يكسر حاجز الصمت إنه صوت ديك جارنا إذ أنة لا يفرق بين العتمة والفجر.
أحسست بعدها بنسمة هواء باردة. إنها هبوب الكوس. بدأ حفيف النخل يعلو قليلا" حتى الأرض جذبت رطب قش سويح الأحمر وثمار المانجو البحري كما أسماه أبي. فسمعت وقعها، صور لي كأنة صراخ طفل أبعد قسرا" عن أمة.
سمعت طقطقة أبواب الجيران تعزف وحفيف الشجر الثائر سمفونية المساء، كانت كل مشاعري أسيرة لذلك المشهد الرائع حتى انتقلت الى دنيا الأحلام التحف (شندروة) البعوض.
كانت تلك القبيلة الأفريقية تجري خلفي وأصوات طبولها ترج الأرض من تحت قدمي وأنا تحت المطر تغوص أقدامي وتجذبني الأرض بشدة اليها أحاول المضي بدون جدوى. أستيقضت مفجوعا" بعد أن أتعبني الجري في الحلم. أخذت أنفاسي تتسارع فاكتشفت بعد حين أنني... مبلل تحت قطرات المطر الندي...
والصوت مصدرة مظلة السيارات تأن من وقع زخات المطر عليها. فابتسمت حينها وذهبت للصلاه وبعد أن فرغت
كانت عيناي شاخصتان الى لوحة جميلة من فوقي. لم يكن شي واضح سوى كتل ضخمه تتطاير في السماء. تنثر حبات باردة كحبات اللؤلؤ تراقصها الريح حيث تشاء.
مع نسمة الهواء العليل جلبت كرسي واتجهت الى فناء المنزل، حملت معي ريشتي وورقة بيضاء، بدأ خيوط الفجر باختراق الأجواء إتضحت لي الصوره. خيل لي أن الجبال من حولي تفرز الضباب فتمد يدها بكل كسل لتقدمه هدية لسهولها المنبسطه ودموعه الهزيله تنساب لتعانق اليابسة التي بدورها تضمه لينساب الى أوردتها ..فتتنهد شجيراتها لتتثائب تثائب الليل الناعس الطويل...
نثرت بألوان شتى على الورقه فعرضتها لرذاذ السماء حينما طارت من بين يدي، فأخذت اجري خلفها حتى التقطها ثقيله من المطر الوانها أمتزجت كامتزاج الريح مع أغصان الشجر.
أستيقض كل من في البيت وابتساماتهم الناعسه تعلو وجوههم، إرتفع صراخ الأطفال يتسابقون حفاتا" الى كهوف أشجار المانجو المظلمه يحملون (القفران) ليحصدون حصاد كوس الليلة الفائته.
سمعت الصراع يحتدم تحتها حتى أقبلوا يتباهون بما التقطته أيديهم، وما قطفوه خلسة، وشعر رؤوسهم أودية تسيل على أنوفهم وأقدامهم إنتعلت عجينه الطين المبلل...
في خلال تلك اللحضات التقطت مسامعي دقات (الموقعه) ...إنها نبضات محفورة منذ زمن في مخيلتي؛ أدركت حينها أن أمي تطحن قوالب الزنجبيل لحليب البقر الطازج .بعدها فاحت رائحة القهوه المرة بالهيل فاستولت على المكان وامتزجت مع زخات المطر الهاطلة باستمرار. كانت رائحة نفاذه، وكأنها تتباهى لتجذب شاربيها.
خيوط المطر في كل زاويه أسيرة للريح، تودعها حيث تشاء ليعم بنفعها البلاد والعباد.
تعالت الأصوات "جاي الوادي...جاي الوادي"
فهممت بالذهاب لاستقبال الضيف القادم بسرعة، قطعت سلسلة أفكاري فحملت قلمي وتركت دفتري وحيدا" على الكرسى لأن لدية عقدة المطر...فاعتزلت بعدها الكتابة حتى مشهد أخر هناك حيث أعيش... (وادي العين)

(أمير السلام)